فصل: (سورة القصص الآيات: 18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة القصص: آية 14]:

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)}.
وَاسْتَوى واعتدل وتمّ استحكامه، وبلغ المبلغ الذي لا يزاد عليه، كما قال لقيط:
واستحملوا أمركم للّه درّكمو ** شزر المريرة لا قحما ولا ضرعا

وذلك أربعون سنة: ويروى: أنه لم يبعث نبىّ إلا على رأس أربعين سنة. العلم. التوراة.
والحكم: السنة. وحكمة الأنبياء: سنتهم. قال اللّه تعالى: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}.

.[سورة القصص الآيات: 15- 17]:

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)}.
المدينة: مصر. وقيل: مدينة منف من أرض مصر. وحين غفلتهم: ما بين العشاءين وقيل: وقت القائلة. وقيل: يوم عيد لهم هم مشتغلون فيه بلهوهم. وقيل: لما شبّ وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم، فأخافوه، فلا يدخل قرية إلا على تغفل. وقرأ سيبويه: {فاستعانه مِنْ شِيعَتِهِ} ممن شايعه على دينه من بنى إسرائيل. وقيل: هو السامرىّ {مِنْ عَدُوِّهِ} من مخالفيه من القبط، وهو فاتون، وكان يتسخر الاسرائيلى لحمل الحطب إلى مطبخ فرعون. والوكز: الدفع بأطراف الأصابع. وقيل: بجمع الكف. وقرأ ابن مسعود: {فلكزه} باللام {فَقَضى عَلَيْهِ} فقتله. فإن قلت: لم جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلما لنفسه واستغفر منه؟ قلت: لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل، فكان ذنبا يستغفر منه. عن ابن جريج: ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر {بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف، تقديره: أقسم بإنعامك علىّ بالمغفرة لأتوبنّ {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} وأن يكون استعطافا، كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت علىّ من المغفرة، فلن أكون- إن عصمتني- ظهيرا للمجرمين. وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون. وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلى المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له. وعن ابن عباس: لم يستثن فابتلى به مرّة أخرى. يعنى: لم يقل: فَلَنْ أَكُونَ إن شاء اللّه. وهذا نحو قوله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} وعن عطاء: أنّ رجلا قال له: إنّ أخى يضرب بقلمه ولا يعدو رزقه. قال: فمن الرأس، يعنى من يكتب له؟ قال: خالد بن عبد اللّه القسري: قال فأين قول موسى؟ وتلا هذه الآية. وفي الحديث: «ينادى مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة، حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما، فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم» وقيل معناه. بما أنعمت علىّ من القوّة، فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك وأهل طاعتك والإيمان بك ولا أدع قبطيا يغلب أحدا من بنى إسرائيل.

.[سورة القصص الآيات: 18- 19]:

{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)}.
{يَتَرَقَّبُ} المكروه وهو الاستقادة منه، أو الإخبار وما يقال فيه، ووصف الإسرائيلى بالغىّ، لأنه كان سبب قتل رجل، وهو يقاتل اخر. وقرئ: {يبطش} بالضم. و{الذي هو عدوّ لهما} القبطي لأنه ليس على دينهما، ولأن القبط كانوا أعداء بنى إسرائيل. والجبار: الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن، وقيل: المتعظم الذي لا يتواضع لأمر اللّه، ولما قال هذا: أفشى على موسى فانتشر الحديث في المدينة ورقى إلى فرعون، وهموا بقتله.

.[سورة القصص: آية 20]:

{وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)}.
قيل: الرجل: مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم فرعون، و{يَسْعى} يجوز ارتفاعه وصفا لرجل، وانتصابه حالا عنه، لأنه قد تخصص بأن وصف بقوله: {مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ} وإذا جعل صلة لجاء، لم يجز في يَسْعى إلا الوصف. والائتمار: التشاور. يقال: الرجلان يتآمران ويأتمران، لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر. والمعنى: يتشاورون بسببك لَكَ بيان، وليس بصلة الناصحين.

.[سورة القصص: آية 21]:

{فَخَرَجَ مِنْها خائِفًا يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}.
{يَتَرَقَّبُ} التعرّض له في الطريق. أو أن يلحق.

.[سورة القصص: آية 22]:

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22)}.
{تِلْقاءَ مَدْيَنَ} قصدها ونحوها. ومدين: قرية شعيب عليه السلام، سميت بمدين بن إبراهيم، ولم تكن في سلطان فرعون، وبينها وبين مصر مسيرة ثمان، وكان موسى لا يعرف إليها الطريق قال ابن عباس: خرج وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه. وسَواءَ السَّبِيلِ وسطه ومعظم نهجه. وقيل: خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر، فما وصل حتى سقط خف قدمه.
وقيل: جاءه ملك على فرس بيده عنزة، فانطلق به إلى مدين.

.[سورة القصص الآيات: 23- 28]:

{وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}.
{ماءَ مَدْيَنَ} ماءهم الذي يستقون منه، وكان بئرا فيما روى. ووروده: مجيئه والوصول إليه {وَجَدَ عَلَيْهِ} وجد فوق شفيره ومستقاه {أُمَّةً} جماعة كثيفة العدد {مِنَ النَّاسِ} من أناس مختلفين {مِنْ دُونِهِمُ} في مكان أسفل من مكانهم. والذود: الطرد والدفع وإنما كانتا تذودان، لأنّ على الماء من هو أقوى منهما فلا يتمكنان من السقي. وقيل: كانتا تكرهان المزاحمة على الماء. وقيل: لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، وقيل: تذودان عن وجوههما نظر الناظر لتسترهما ما خَطْبُكُما ما شأنكما. وحقيقته: ما مخطوبكما، أى: مطلوبكما من الذياد، فسمى المخطوب خطبا، كما سمى المشئون شأنا في قولك: ما شأنك؟ يقال: شأنت شأنه، أى: قصدت قصده. وقرئ لا نسقي. ويصدر. والرعاء، بضم النون والياء والراء. والرعاء: اسم جمع كالرخال والثناء.
وأما الرعاء بالكسر فقياس، كصيام وقيام كَبِيرٌ كبير السن فَسَقى لَهُما فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال. وقيل: عشرة. وقيل: أربعون. وقيل: مائه، فأقله وحده. وروى أنه سألهم دلوا من ماء فأعطوه دلوهم وقالوا: استق بها، وكانت لا ينزعها إلا أربعون، فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة، وروّى غنمهما وأصدرهما. وروى أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما. وقيل: كانت بئرا أخرى عليها الصخرة. وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف. والمعنى: أنه وصل إلى ذلك الماء وقد ازدحمت عليه أمّة من أناس مختلفة متكاثفة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم مع غنيمتهما مترقبتين لفراغهم، فما أخطأت همته في دين اللّه تلك الفرصة، مع ما كان به من النصب وسقوط خف القدم والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما، وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوّة قلبه وقوّة ساعده، وما آتاه اللّه من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلة وفيه مع إرادة اقتصاص أمره وما أوتى من البطش والقوّة وما لم يغفل عنه، على ما كان به من انتهاز فرصة الاحتساب، ترغيب في الخير، وانتهاز فرصه، وبعث على الاقتداء في ذلك بالصالحين والأخذ بسيرهم ومذاهبهم. فإن قلت: لم ترك المفعول غير مذكور في قوله يَسْقُونَ وتَذُودانِ ولا نَسْقِي؟ قلت: لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا، وكذلك قولهما لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ المقصود فيه السقي لا المسقى. فإن قلت: كيف طابق جوابهما سؤاله قلت: سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم، فلابد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به: أبلتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما. فإن قلت: كيف ساغ لنبىّ اللّه الذي هو شعيب عليه السلام أن يرضى لابنتيه بسقى الماشية؟ قلت: الأمر في نفسه ليس بمحظور، فالدين لا يأباه. وأما المروءة، فالناس مختلفون في ذلك، والعادات متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
إِنِّي لأى شيء {أَنْزَلْتَ إِلَيَّ} قليل أو كثير، غث أو سمين ل {فَقِيرٌ} وإنما عدى فقير باللام، لأنه ضمن معنى سائل وطالب. قيل: ذكر ذلك وإن خضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال، ما سأل اللّه إلا أكلة. ويحتمل أن يريد: إنى فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلىّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة: قال ذلك رضا بالبدل السنى، وفرحا به، وشكرا له، وكان الظل ظل سمرة عَلَى اسْتِحْياءٍ في موضع الحال، أى: مستحيية متخفرة. وقيل. قد استترت بكم درعها. روى أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي، فتبعها موسى فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته، فقال لها: امشى خلفي وانعتى لي الطريق، فلما قص عليه قصته قال له. لا تخف فلا سلطان لفرعون بأرضنا. فإن قلت: كيف ساغ لموسى أن يعمل بقول امرأة، وأن يمشى معها وهي أجنبية؟ قلت: أما العمل بقول امرأة فكما يعمل بقول الواحد حرّا كان أو عبدا ذكرا كان أو أنثى في الأخبار، وما كانت إلا مخبرة عن أبيها بأنه يدعوه ليجزيه. وأما مما شاته امرأة أجنبية فلا بأس بها في نظائر تلك الحال، مع ذلك الاحتياط والتورّع. فإن قلت: كيف صح له أخذ الأجر على البرّ والمعروف؟ قلت: يجوز أن يكون قد فعل ذلك لوجه اللّه وعلى سبيل البر والمعروف. وقيل إطعام شعيب وإحسانه لا على سبيل أخذ الأجر، ولكن على سبيل التقبل لمعروف مبتدإ. كيف وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوّة من أولاد يعقوب؟ ومثله حقيق بأن يضيّف ويكرم خصوصا في دار نبىّ من أنبياء اللّه، وليس بمنكر أن يفعل ذلك لاضطرار الفقر والفاقة طلبا للأجر. وقد روى ما يعضد كلا القولين: روى أنها لما قالت: ليجزيك، كره ذلك، ولما قدّم إليه الطعام امتنع وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا، ولا نأخذ على المعروف ثمنا. حتى قال شعيب: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا. وعن عطاء ابن السائب: رفع صوته بدعائه ليسمعهما، فلذلك قيل له: ليجزيك أجر ما سقيت، أى، جزاء سقيك. والقصص: مصدر كالعلل، سمى به المقصوص. كبراهما: كانت تسمى صفراء، والصغرى: صفيراء. وصفراء: هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره، وهي التي تزوجها. وعن ابن عباس: أن شعيبا أحفظته الغيرة فقال: وما علمك بقوّته وأمانته؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو، وأنه صوّب رأسه حين بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه. وقولها إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ كلام حكيم جامع لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان، أعنى الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل، والحكمة أن تقول استأجره لقوّته وأمانته. فإن قلت: كيف جعل خير من استأجرت اسما لإنّ، والقوى الأمين خبرا؟ قلت: هو مثل قوله:
ألا إنّ خير النّاس حيّا وهالكا ** أسير ثقيف عندهم في السّلاسل

في أن العناية هي سبب التقديم، وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق بأن يكون خبرا اسما، وورود الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف. ومنه قولهم: أهون ما أعملت لسان ممخ. وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه: أفرس الناس ثلاثة: بنت شعيب، وصاحب يوسف، في قوله عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وأبو بكر في عمر. روى أنه أنكحه صفراء. وقوله هاتَيْنِ فيه دليل على أنه كانت له غيرهما تَأْجُرَنِي من أجرته إذا كنت له أجيرا، كقولك: أبوته إذا كنت له أبا، وثَمانِيَ حِجَجٍ ظرفه. أو من أجرته كذا، إذا أثبته إياه. ومنه: تعزية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أجركم اللّه ورحمكم. وثماني حجج: مفعول به، ومعناه: رعية ثماني حجج فإن قلت: كيف صح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز؟ قلت: لم يكن ذلك عقدا للنكاح، ولكن مواعدة ومواصفة أمر قد عزم عليه، ولو كان عقدا لقال: قد أنكحتك ولم يقل: إنى أريد أن أنكحك. فإن قلت: فكيف صح أن يمهرها إجارة نفسه في رعية الغنم، ولابد من تسليم ما هو مال؟ ألا ترى إلى أبى حنيفة كيف منع أن يتزوج امرأة بأن يخدمها سنة وجوّز أن يتزوّجها بأن يخدمها عبده سنة، أو يسكنها داره سنة، لأنه في الأول: مسلم نفسه وليس بمال، وفي الثاني: هو مسلم مالا وهو العبد أو الدار، قلت: الأمر على مذهب أبى حنيفة على ما ذكرت. وأما الشافعي: فقد جوّز التزوّج على الإجارة لبعض الأعمال والخدمة.